Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog

kartchat-tunisia.

kartchat-tunisia.

كرتشات تونيزيا -النسخة الثانية - هي امتداد للإصدار الأول بعد تعذر استرجاع الرابط السابق للمدونة و محتوياتها. أبدا لن يلين ساعد و قلم في سبيل الكادحين


البحث عن الحقيقة .. بين المصادر الشفوية و المكتوبة !..

Publié par AEH-1993. sur 3 Mars 2020, 20:01pm

Catégories : #Article

البحث عن الحقيقة .. بين المصادر الشفوية و المكتوبة !..

في بداية دخولي عالم البحث عن الحقيقة بعيداً عن وصاية الوثائق، كانت المصادر مقتصرة على الشهادات والروايات الشفوية. هل قلت "شهادات ومصادر شفوية"؟ ما كان يجب عليّ قول ذلك .. فهنا في بلادي دوما ما يشككون في موثوقية واعتمادية المعلومات المبنية على هذا النوع من المصادر. . اذ يُفضلون المصادر التقليدية المكتوبة .. وعن مدي صحة هذه المصادر و عن الغاية من التوثيق بشكل شفوي يتساءلون .. في الواقع الشهادات والمعطيات المتحصل عليها لا يمكن اعتبارها موثوقة ومعتمدة بشكل كامل، بل البحث عن الدلائل والمؤيدات التي تؤكدها يتطلب الأمر حتى يتسنى اعتمادها نهائيا، وتكرار المعلومة من قبل أكثر من شاهد يعتبر المعيار الأبرز لاعتمادها.

لطالما أسال الاستناد الي المصادر الشفوية في تدوين الأحداث والتواريخ المهمة جملة من الاعتراضات والردود، بخصوص مدي مصداقيتها ومدي قدرتها على تقديم الاضافة، فالعديد من هؤلاء المعترضين قاموا بالتشكيك في مضامينها مؤكدين أنها لا ترقى إلى مستوى المصادر المكتوبة، باعتبارها تستند الي ذاكرة الشاهد التي قد تكون عرضة للنسيان أو الخلط بين وقائع ومجريات الأحداث. المصادر المكتوبة لطالما اعتبرت ركيزة أساسية في البحث عن المعلومة، غير أنها بقدرة الشاهد وصاحب المعلومة على الكتابة والتدوين ضلّت رهينة .. فهذا النوع من المصادر دوما ما يُعاب عليه أنه غير قادر علي انصاف شاهدي العيان وأصحاب المعلومة الغير القادرين على أرشفة وكتابة ما عاينوه من أحداث ومعطيات، وهو ما أفرز هيمنة الرواية الرسمية الساعية الي التفرُد بالمعلومة واحتكارها، وجعلها الوحيدة الضرورية لإنارة الرأي العام، ومن هنا برزت أهمية المصادر الشفوية باعتبارها قادرة علي منح فرصة لهؤلاء الذين لم يتسنى لهم تدوين او كتابة شهادتهم سواء لعجزهم أو لخوفهم بسبب التضييق السياسي، وصوتا لمن همشّهم التاريخ المكتوب، ومصدرا يقّدم معلومة أخرى مختلفة. لذلك يرى العديد أن المصادر الـشفوية تُركز علـى كشف الغمـوض واللـبس فـي بعـض الأحداث والموضوعات، ويعطي فرصة للجميع في إعطاء المعلومات المتوفرة لديهم، الأمـر الـذي قد يساعد على إيجاد معطيات جديدة ربما قد تكون أكثر فاعلية ودقة.

المصادر الشفوية تم اعتمادها لتجميع الشهادات ممن عاصروا الحرب العالمية الثانية، بمعاركها ومآسيها وقصصها وبطولاتها، ووجهت هذه الشهادات إما نحو الأرشفة والتوثيق، ليستخدمها المؤرخون لاحقا، أو نحو النشر المباشر سواء كمذّكرات وقصص وأفلام. وفي مرحلة الاستقلال الوطني عن الاحتلال في بلدان العالم الثالث، اعتمدت الشهادة الشفوية في التأريخ للمعارك وحركات التحرر الوطني ضد الاستعمار. ففي تونس مثّلت خطابات الرئيس "الحبيب بورقيبة" المرجع الأساسي المعتمد للتاريخ الرسمي للبلاد التونسيّة، كما كانت الشهادات الشفويّة مصدرا معتمدا في المراجعات الساعية الي إظهار الحقائق المخفية حول الحركات الوطنيّة المسلّحة في تونس ابّان الاحتلال الفرنسي للتراب التونسي، وللتعريف "بالفلاّڤة" وهي تسمية تطلق على الذين حملوا السّلاح في وجه المستعمر وخاضوا المعارك ضده. على الرغم من التغطية الاعلامية الحديثة، اكتسبت المصادر الشفوية أهمية مع الثورات العربية، وكانت منصات التواصل الاجتماعي صوتا للمشاركين والفاعلين في المسار الثوري وأحداثه، فشهادتهم المدونة كانت مصدرا ثريا من مصادر معرفة الوقائع وتفاصيلها المهمة.

المصادر الشفوية تُعدّ مكمّلة للمصادر المكتوبة ومادة ضرورية في المجتمعات التي يحتل فيها الأميون الأغلبية الساحقة والفاعلين في الأحداث أو الشاهدين عليها بما تحمله من تصحيحات مباشرة للأحداث محلّ البحث، وذلك من خلال ما تُضيفه من شهادات مهمَّشة أو منسيّة، فهي تتيح إعطاء الكلمة للفاعلين الأساسيين المباشرين للأحداث للتعبير عن آراءهم والحديث عن تجاربهم الخاصة التي عايشوها وربما ساهموا فيها بمختلف أحداثها وتطوّراتها بعيداً وصاية الوثائق الأخرى.

غير أنه من الضروري التعامل بدرجة عالية من الحساسية مع المعطيات والمعلومات المتحصل عليها على اعتبار أن الشاهد الناقل للمعلومة قد يتحدّث عن ذاته وعما عايشه بشكل كبير من أحداث وهو ما قد يميل به إلى التوجه بالرواية إلى ابداء رأي معيّن على حساب رأي آخر، ومن هنا تبرز حتمية الإلمام بالموضوع من مختلف جوانبه والبحث في مختلف الآراء والمعطيات حتى يتسنى مقارنتها ببقية المصادر واستخراج حقيقية واضحة ومحايدة .. مع ضرورة الالتزام بموقف محايد، عدم طرح أسئلة موجهة، ترك حرية التعبير للشاهد وعدم التضييق والضغط عليه. كما يقتضي التعامل مع الشهادة الشفوية العديد من الإجراءات من بينها التأكّد من صحّة رواية الشاهد أو المشارك في الحدث ومن مدي أمانته اضافة الي مراعات اختلاف اللغة والفوارق في معاني الكلمات المستعملة عند نقلها من الشفوي الي المكتوب.

تمثل الشهادة الشفويّة مصدرا للمعلومة وسبيلا الي رصد الوقائع والاحداث، سواء توفر عنها وثائق أو لم يوجد. وليس الهدف من اعتماد هذا النوع المصادر مجرد كتابة أو البحث عن الحقائق بقدر ما هو سعي الي تثمين تجارب عاينت أو شاركت في الأحداث محلّ البحث مضت ولم تحظي بالاهتمام من قبل الباحثين عن المعلومة السابقين.

---------------

الهوامش: - محمد ذويب، "الفلاّڤة واليوسفيّة" من خلال المصادر الشفويّة، دار سوتيميديا للنشر والتوزيع، تونس، ديسمبر 2017.

Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :

Nous sommes sociaux !

Articles récents